خصوصية الظواهر الاجتماعية
تُعد خصوصية الظواهر الاجتماعية مفهومًا جوهريًا في علم الاجتماع، وقد صاغه إميل دوركايم لإثبات أن علم الاجتماع علم مستقل عن علم النفس أو البيولوجيا. هذا المفهوم يؤكد أن الظواهر الاجتماعية ليست مجرد مجموع أفعال الأفراد، بل هي كيانات ذاتية الوجود لها خصائصها وقوانينها الخاصة.
ما هي الظاهرة الاجتماعية؟
عرّف دوركايم الظاهرة الاجتماعية بأنها "كل نمط من أنماط السلوك، أو التفكير، أو الشعور، سواء كان ثابتًا أم لا، والذي يُمارس قوة قسرية خارجية على الفرد". وبعبارة أخرى، هي أشياء خارجة عن وعي الأفراد، لكنها تفرض عليهم سلوكًا معينًا.
الخصائص الرئيسية للظاهرة الاجتماعية:
الخارجية (Externality): توجد الظاهرة الاجتماعية خارج الأفراد. فالقوانين، على سبيل المثال، موجودة قبل أن يولد الفرد، وتستمر في الوجود بعد وفاته. هي ليست نتاجًا لرغبات أو أفكار فرد واحد، بل هي نتاج التفاعل بين مجموعات كبيرة من الناس عبر الزمن.
القسرية (Coercion): تُمارس الظاهرة الاجتماعية قوة على الأفراد، وتُجبرهم على الامتثال لها. هذه القوة قد تكون واضحة ومباشرة (مثل القوانين التي تفرض العقوبات)، أو غير مباشرة (مثل الأعراف والتقاليد التي تجعل الفرد يشعر بالخجل إذا خالفها).
العمومية (Generality): تنتشر الظاهرة الاجتماعية عبر المجتمع بأكمله أو عبر مجموعة اجتماعية معينة، ولا تقتصر على فرد واحد.
لماذا تعتبر هذه الخصوصية مهمة؟
تُقدم خصوصية الظاهرة الاجتماعية إجابة عن سؤال "ماذا يدرس علم الاجتماع؟". إنها تُميزه عن العلوم الأخرى التي تدرس الإنسان، مثل:
علم النفس: يدرس العمليات العقلية والوعي الفردي، بينما يدرس علم الاجتماع الأنماط الجماعية التي تُشكل هذا الوعي.
البيولوجيا: تدرس الظواهر الفسيولوجية للجسم، بينما يدرس علم الاجتماع السلوكيات التي تُفرض على الأفراد من الخارج، بغض النظر عن تكوينهم البيولوجي.
على سبيل المثال، لا يمكن تفسير ظاهرة الزواج بالكامل من منظور نفسي أو بيولوجي. فالرغبة في تكوين أسرة قد تكون بيولوجية، ولكن شكل الزواج (هل هو أحادي أم متعدد؟) وطقوسه وقوانينه هي ظواهر اجتماعية لها خصوصيتها.
دوركايم يرى أن فهم الظاهرة الاجتماعية يتطلب تحليلها من خلال ظواهر اجتماعية أخرى. فلتفسير معدلات الانتحار (كظاهرة اجتماعية)، يجب النظر إلى عوامل اجتماعية مثل التكامل الاجتماعي والتنظيم الاجتماعي، وليس فقط الحالة النفسية للفرد. هذا المنهج يؤكد على أن الأسباب الجذرية للمشاكل الاجتماعية تكمن في البنية الاجتماعية نفسها، وليس فقط في الأفراد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق