الحب من أعمق التجارب الإنسانية وأكثرها تأثيرًا في حياة البشر. ورغم مكانته الوجدانية في الأدب والفن والدين، إلا أن العلوم الاجتماعية – وخاصة علم الاجتماع – لم تمنحه الاهتمام الكافي على الصعيد الأكاديمي. فقد أشار عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو إلى أن العلوم التجريبية قدمت القليل جدًا لفهم الحب، بينما لاحظ عالم الاجتماع الروسي بيتيريم سوروكين أن علماء الاجتماع غالبًا ما تجاهلوا هذا الموضوع، معتبرين أنه غير علمي أو بعيد عن المنهج التجريبي.
ماسلو: غياب الحب عن الأبحاث العلمية
أوضح أبراهام ماسلو أن الحب قلّما يُدرَس في علم النفس والاجتماع بشكل علمي جاد. وإن وُجدت إشارات إليه، فهي غالبًا تركز على جانبه السلبي أو المرضي، بدلًا من النظر إليه كقوة إيجابية تسهم في تكوين الشخصية الإنسانية وبناء المجتمع.
سوروكين: الحب قوة اجتماعية مؤثرة
قدّم بيتيريم سوروكين – أستاذ علم الاجتماع بجامعة هارفارد – أطروحة مهمة في كتابه "طرق الحب وسلطانه"، حيث تساءل: لماذا تجاهل العلماء موضوع الحب طويلًا؟
وفسّر ذلك بأن العقل المادي التجريبي يميل إلى رفض الظواهر التي لا يمكن قياسها بالحواس، فاعتُبر الحب مجرد وهم أو خداع نفسي. ومع ذلك، يرى سوروكين أن الحب قوة حقيقية تؤثر في:
-
تشكيل الشخصية الإنسانية.
-
مسار التطور الاجتماعي والثقافي.
-
توجيه القيم الأخلاقية.
-
التأثير في الأحداث التاريخية.
جدلية الحب في العلوم الاجتماعية
رغم أن الكثير من الباحثين تجنبوا الخوض في دراسة الحب خوفًا من الغموض وصعوبة الضبط العلمي، إلا أن سوروكين يؤكد أن إقصاء الحب من الدراسة يعد خسارة كبيرة لعلم الاجتماع. فالحب ليس مجرد علاقة عاطفية بين الرجل والمرأة، بل مفهوم متعدد الأبعاد، يشمل:
-
التضحية والإيثار.
-
الالتزام بالواجب.
-
الروابط الروحية.
-
وحتى الانتماء للأفكار والقيم والمجتمعات.
سوء استخدام مفهوم الحب
يشير سوروكين وغيرُه من المفكرين إلى أن كلمة "حب" من أكثر الكلمات التي يُساء استخدامها. فقد تُستعمل للدلالة على الرغبات العابرة، أو تُختزل في بعدها الجنسي فقط، بينما حقيقتها أوسع بكثير وتشمل أبعادًا روحية وأخلاقية واجتماعية.
يتضح أن الحب ظاهرة إنسانية أساسية، لكن العلوم الاجتماعية لم تمنحه مكانته البحثية المستحقة. فقد ركّز ماسلو على محدودية الأبحاث فيه، بينما دافع سوروكين عن ضرورة دراسته كقوة قادرة على التأثير في الفرد والمجتمع عبر مختلف المراحل التاريخية. ومن هنا، يصبح من الضروري أن يعيد علم الاجتماع النظر في موقع الحب كموضوع جدير بالبحث العلمي، ليس فقط لفهم المشاعر الإنسانية، بل أيضًا لفهم كيفية تشكل القيم والعلاقات والمؤسسات داخل المجتمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق