ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻫﻴﺠﻞ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺭﻓﻊ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ، ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﻔﻬﻢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺃﻓﻀﻞ ﻃﺮﺡ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺫﻳﻮﻋﺎً ﻟﻼﻏﺘﺮﺍﺏ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﻃﺮﺡ ﻫﻴﺠﻞ ، ﺣﻴﺚ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎﺗﻬﻤﺎ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮﻉ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻳﻌﺘﺪ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻧﻬﻤﺎ ﻳﺸﻜﻼﻥ ﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﺘﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎﺕ ﻭ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺣﺪﺍﺛﺔ ﺣﻮﻝ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ، ﻭ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﻋﻨﺪ ﻫﻴﺠﻞ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﻧﻈﺮﺓ ﻋﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻞ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ ، ﻭ ﻧﺤﻦ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻠﺘﻪ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﺨﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻞ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ ﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺩﺕ ﻟﻨﻘﺎﺷﺎﺕ ﻭ ﺗﺄﻭﻳﻼﺕ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺗﻘﻮﻝ " ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﻫﻮ ﻣﻌﻘﻮﻝ ، ﻭ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻘﻠﻲ ﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ " ﻭ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻭ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻭ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻐﻴﺮ ﻫﻮ ﻭﺍﻗﻊ ﺛﺎﺑﺖ ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﻣﻨﺘﻘﺪﻳﻪ ﻳﻬﺎﺟﻤﻮﻥ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺠﻴﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﺮﻭﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻧﻬﺎ ﻭﺍﻗﻊ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻭ ﻣﺘﻌﻘّﻞ ، ﻭ ﻟﻜﻦ ﻧﻈﺮﺓ ﻣﺪﻗﻘﺔ ﻟﻠﻌﺒﺎﺭﺓ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﺎﻟﻜﺘﻴﻚ ﺍﻟﻬﻴﺠﻠﻲ ، ﻓﺎﻟﻮﺍﻗﻊ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﺒﺘﺔ ﺣﺴﺐ ﻫﻴﺠﻞ ﺻﻔﺔ ﺗﻌﻮﺩ ﺑﻼ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻠﻤﻨﺎﺯﻋﺔ ﻭ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭ ﺩﻭﻣﺎً ﻓﻲ ﻇﺮﻭﻑ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻌﻄﺎﺓ ، ﺑﻞ ﻋﻜﺲ ﺫﻟﻚ ﺗﻤﺎﻣﺎً ، ﻓﺎﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺯﺍﺣﺘﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻏﺪﺕ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻏﻴﺮ ﻋﻘﻠﻴﺔ ، ﻭ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺳﻨﺔ 1789 ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺃﻭ ﻋﺪﻳﻤﺔ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭ ﻻ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻭﺟﺐ ﺇﻟﻐﺎﺋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺙ ﻋﻨﻬﺎ ﻫﻴﺠﻞ ﺑﻄﺮﺏ ﻛﺒﻴﺮ ، ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻳﻐﺪﻭ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﺮﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﺑﺤﻴﺚ ﻓﻘﺪ ﺿﺮﻭﺭﺗﻪ ﻭ ﺣﻘﻪ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ، ﺣﻴﺚ ﻳﺤﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻭﺍﻗﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﻠﻤﻴﺔ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻟﻜﻲ ﺗﻼﺷﻰ ﺑﻼ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ، ﻭ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﻟﻠﻀﺮﻭﺭﺓ ، ﻫﻜﺬﺍ ﻧﺠﺪ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ ﻫﻴﺠﻞ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻴﻀﻬﺎ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﺍﻟﻬﻴﺠﻠﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ، ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﺼﻴﺮ ﻣﻊ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻻ ﻣﻌﻘﻮﻻً ، ﻭ ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﺃﺩﻣﻐﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻳﻘﺪﺭ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﺫﻟﻚ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ .
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻘﺎﻁ ﻧﺠﺪ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺠﺪﻟﻲ ﻋﻨﺪ ﻫﻴﺠﻞ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺪﺭﻙ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻏﻴﺮ ﺣﺮ ، ﻭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻳﻮﺟﺪﺍﻥ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻏﺘﺮﺍﺏ ﻭ ﻳﻮﺟﺪﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻑ ﻣﺎ ﻫﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭ ﻛﻞ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺗﺴﺘﺒﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﻬﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻨﻄﻖ ﺑﺎﻃﻞ ، ﻓﺎﻟﻔﻜﺮ ﻻ ﻳﻄﺎﺑﻖ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺇﻻ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﺤﻮﻝ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻭ ﻳﺒﺪﻟﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻓﻬﻢ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﻗﺾ ، ﻭ ﻫﻨﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺠﺪﻝ ﺇﻟﻰ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ، ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ، ﻭ ﻳﺮﻯ ﻫﻴﺠﻞ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﻮﺿﻌﻲ ﻳﺆﺩﻱ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻲ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻳﺆﺩﻱ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ، ﻭ ﻫﻮ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﻖ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ، ﻭ ﺇﻥ ﻧﻔﺲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻏﻴﺮ ﺣﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻠﺐ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻤﺎ ﻳﻬﺪﺩ ﻹﻧﻜﺎﺭ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ، ﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﺳﻬﺎ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﺴﻠﺐ ، ﻓﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻏﺘﺮﺍﺏ ﻭ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮﺩ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺇﺫ ﺗﻔﻬﻢ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﻭ ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻭ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎً ﺑﻠﻮﻍ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻧﺘﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻈﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻧﺴﺠﺎﻡ ﻭﺛﻴﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﻞ .
ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﻬﻴﺠﻠﻲ ﻫﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻋﻘﻠﻲ ﻭ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻘﻠﻲ ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﻭ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻋﻨﺪ ﻫﻴﺠﻞ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺻﺮﺍﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻭ ﺗﺸﻜﻴﻠﻪ ﻭﻓﻘﺎً ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺔ ، ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻗﻮﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻭ ﺗﺤﻘﻘﻪ ﻳﺤﺪﺙ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺘﻄﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺰﻣﺎﻧﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﻲ ﻭ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ، ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﺣﺪﺩ ﻫﻴﺠﻞ ﻣﻔﻬﻮﻣﻪ ﻟﻼﻏﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺸﺄ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻄﺮﺃ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ، ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺷﻴﺌﺎً ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ ﻟﺘﺼﺮﻑ ﺻﺪﺭ ﻋﻦ ﻋﻤﺪ ، ﻓﺎﻟﻤﺮﺀ ﻳﺠﺪ ﻭ ﻗﺪ ﺣﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺑﻲ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺘﻪ ، ﻭ ﻗﺪ ﺣﺪﺩ ﻫﻴﺠﻞ ﻣﻌﻨﻴﻴﻦ ﻟﻼﻏﺘﺮﺍﺏ .
ﺍﻷﻭﻝ ﻳﻔﻴﺪ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻝ : ﻭﻓﻴﻪ ﻳﺸﻌﺮ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﻓﻘﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻮ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻟﻜﻦ ﻋﻘﺐ ﺫﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﺸﺄ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻔﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺩﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺗﻪ ﻭ ﺳﻤﺎﺗﻪ ﻭ ﺷﺨﺼﻪ ﻫﻮ ، ﻭ ﻋﻘﺐ ﻓﻘﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ ﻭ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻭﺣﺪﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﺈﻥ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺑﺎﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻐﺪﻭ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻨﺎﻓﺮ ، ﻭ ﻳﺼﻞ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻐﺎﺭﻕ ﻓﻲ ﺗﻤﻴﺰﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻛﺘﺸﻔﻪ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺗﺤﺪ ﻣﻌﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ ، ﻭ ﻫﻨﺎ ﺗﻨﺸﺄ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺪﻡ ﺗﻄﺎﺑﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻭ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﻓﻴﻨﻈﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻟﻠﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﺧﺎﺭﺟﺎً ﻋﻨﻪ ﻭ ﻣﻌﺎﺭﺿﺎً ﻟﻪ ﻓﺘﺼﺒﺢ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻨﻪ ، ﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻐﺘﺮﺏ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻐﺘﺮﺏ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﺃﻳﻀﺎً ، ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﻋﻘﻞ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻭ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻫﻲ ﺃﻣﺮ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻘﻠﻲ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﺳﻪ ، ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥ ﺍﻧﻔﺼﺎﻝ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻳﺴﻔﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﻏﺘﺮﺍﺏ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻣﻨﺘﻬﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺃﻗﺼﻰ ﻗﻤﻢ ﺍﻟﺘﻄﺮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﻣﻊ ﺫﺍﺗﻪ ، ﻭ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻨﻬﺎ ﻫﻴﺠﻞ ﻻ ﺗﻔﻬﻢ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺃﻃﺎﺭ ﺗﺼﻮﺭﻩ ﻟﻠﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺠﺪﻟﻲ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ ، ﻓﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﻛﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﻮ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺘﻌﻴﻨﺎً ﻭ ﺟﺰﺋﻴﺎً ، ﻭ ﻫﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻔﻬﻢ ﺇﻻ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ ، ﺃﻱ ﻧﻤﻮﺍً ﺫﺍﺗﻴﺎً ﻟﺬﺍﺕ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻭ ﻓﺎﻫﻤﺔ ، ﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﻮ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻟﻸﺷﻴﺎﺀ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﺃﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺃﺳﺴﺎً ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻭ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ، ﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻐﺘﺮﺑﺎً ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺘﻪ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪﺓ ﻭ ﻳﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻸﺷﻴﺎﺀ ﻭ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ، ﻭ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺘﺴﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﺍﻫﺘﺪﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﻤﻮﺻﻞ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻭ ﺣﺴﺐ ، ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﻳﻀﺎً ، ﻭ ﻫﻨﺎ ﻳﻨﻘﻠﻨﺎ ﻫﻴﺠﻞ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻼﻏﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﻋﺎﻣﻞ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻭ ﻗﻬﺮ ﻟﻠﻌﺎﻣﻞ ﺍﻷﻭﻝ .
ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ : ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻋﺘﺒﺮﻩ ﻫﻴﺠﻞ ﻣﻌﺎﻛﺴﺎً ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺍﻷﻭﻝ ، ﻓﻬﻮ ﺷﻲﺀ ﻣﻘﺼﻮﺩ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﺗﻨﺎﺯﻻً ﻭﺍﻋﻴﺎً ﺃﻭ ﺗﺴﻠﻴﻤﺎً ، ﻭ ﺫﻟﻚ ﺑﻘﺼﺪ ﺿﻤﺎﻥ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺮﻏﻮﺏ ﻓﻴﻬﺎ ﻭ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﻭ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻲ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻭ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺎﻣﻼً ﻭ ﻣﺴﺘﻤﺮﺍً ، ﺇﺫ ﺃﻧﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﻴﻠﻮﻟﺔ ﺩﻭﻥ ﻋﻮﺩﺓ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ، ﺣﻴﺚ ﺃﻥ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺟﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺘﻮﺍﻓﻘﺎً ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ، ﺃﻱ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﺯﻟﻪ ﻋﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﻭ ﺑﺈﻗﺮﺍﺭﻩ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﻭ ﻗﺪ ﻭٌﺟﺪﺕ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ، ﻭ ﺇﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﻘﻖ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ ﺫﺍﺗﻪ ، ﺃﻱ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﻤﺼﺎﻟﺤﻪ ﻭ ﺭﻏﺒﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ، ﻭ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺪﻗﺔ .
ﻭ ﺛﻤﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺛﺎﻟﺚ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﻫﻴﺠﻞ ﻓﻲ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﻫﻮ ﻣﻔﻬﻮﻡ " ﺍﻟﺘﺸﻌّﺐ " ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﺎﺕ ﻫﻴﺠﻞ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺟﺬﺑﺎً ﻟﻼﻧﺘﺒﺎﻩ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺑﺎﻟﺸﺮﻃﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﻴﻦ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ، ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻞ ﻣﻮﺣﺪ ، ﺃﻱ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺑﺼﻔﺘﻪ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻭ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺼﻮﺭﺗﻪ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻬﻮ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺧﺎﺭﺟﺎً ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻞ ، ﻭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺸﻌﺐ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺑﺄﺣﺪ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﻋﻨﺪ ﻫﻴﺠﻞ ، ﻭ ﻳﻘﻮﻡ ﻫﻴﺠﻞ ﺑﺈﻳﻀﺎﺡ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﺸﻌﺐ ﻛﻈﺎﻫﺮﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﺸﻴﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻﺗﺴﺎﻉ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﻗﺎﺋﻼً " ﻛﻠﻤﺎ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭ ﻛﻠﻤﺎ ﻋﻈﻢ ﻧﻤﻮ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮﺍﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻐﺮﺱ ﺍﻟﺘﺸﻌﺐ ﺫﺍﺗﻪ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻋﻈﻤﺖ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺘﺸﻌﺐ ﻭ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺑﺮﻳﻖ ﻫﺎﻟﺔ ﺍﻟﻘﺪﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻭ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻭ ﻣﺘﻬﺎﻓﺘﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺤﻀﺎﺭﺓ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﻖ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ " ﻭ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻫﻴﺠﻞ ﻟﻠﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺸﻌﺐ ﻻ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻦ ، ﻭ ﺇﻧﻤﺎ ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻹﻋﻼﺋﻲ ﺃﻭ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﻣﺎ ﺗﻢ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﺃﻭ ﻓﺼﻠﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻔﻬﻢ ، ﻭ ﻳﻌﺮﺏ ﻫﻴﺠﻞ ﻋﻦ ﺷﻌﻮﺭﻩ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺣﺪﻩ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻓٌﺼﻞ ﻭ ﺇﺧﻀﺎﻉ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﻠﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .
ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻳﺒﺪﺃ ﻫﻴﺠﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻟﻴﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺍﻟﻜﻠﻲ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ
المصدر : المعرفة & الفلسفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق