5‏/9‏/2025

مفهوم الهوية الرقمية


مفهوم الهوية الرقمية في علم الاجتماع

الهوية الرقمية هي مجموعة السمات والانطباعات والتمثلات التي يعرضها الفرد عن نفسه في الفضاء الرقمي، سواء عبر الصور والمنشورات أو من خلال التفاعلات مع الآخرين. ويعتبر علماء الاجتماع أن هذه الهوية ليست مجرد انعكاس للهوية الواقعية، بل هي في كثير من الأحيان بناء اجتماعي جديد يخضع لقوانين ورموز وممارسات مختلفة عن العالم المادي.


وفقًا لنظرية التفاعل الرمزي (Herbert Blumer)، فإن الهوية تتشكل من خلال التفاعل الاجتماعي والرموز المتبادلة. وفي الفضاء الرقمي، يأخذ هذا التفاعل أشكالًا متعددة: الإعجاب، التعليقات، إعادة النشر، والتي جميعها تسهم في بناء صورة الفرد عن نفسه أمام الآخرين.


الشباب والبحث عن الاعتراف

يُعد الشباب الفئة الأكثر حضورًا في الفضاء الرقمي، حيث يسعون إلى تأكيد ذواتهم والحصول على الاعتراف الاجتماعي. وهنا يظهر ما أشار إليه إرفينغ غوفمان في نظرية "المسرح الاجتماعي"، إذ يتعامل الشباب مع وسائل الإعلام الرقمية كخشبة مسرح يعرضون فيها "أدوارهم" المتعددة، فيختارون الصور بعناية، ويكتبون التعليقات بأسلوب مدروس، من أجل رسم صورة مرغوبة للآخرين.


ومن خلال هذه الممارسات، تتحول الهوية الرقمية إلى وسيلة لإدارة الانطباعات، وقد تتقاطع أو تتناقض أحيانًا مع الهوية الواقعية.


تأثير وسائل الإعلام على إعادة تشكيل الذات

تقوم وسائل الإعلام الرقمية بدور فاعل في إعادة تشكيل الهوية عبر:

تعدد الأدوار: حيث يمكن للفرد أن يظهر بهويات مختلفة (طالب، مثقف، ناشط...) تبعًا للسياق الرقمي.

الفضاء الحر للتجريب: يتيح الإنترنت للشباب فرصة تجربة صور جديدة للذات بعيدًا عن قيود المجتمع التقليدي.

المقارنة الاجتماعية: تفرض المنصات حالة من المقارنة المستمرة مع الآخرين، مما يدفع الأفراد إلى إعادة صياغة ذواتهم لتتماشى مع المعايير السائدة.




النظريات السوسيولوجية المفسرة

نظرية المجتمع الشبكي (مانويل كاستلز): ترى أن الهويات في العصر الرقمي لم تعد وطنية أو تقليدية فقط، بل أصبحت "هويات شبكية" تُبنى عبر التفاعل في فضاءات متصلة عالميًا.

نظرية الاستخدامات والإشباعات: تشير إلى أن الشباب لا يستهلكون الإعلام بشكل سلبي، بل يستخدمونه لتحقيق حاجات نفسية واجتماعية، منها: بناء الذات، والانتماء، والتعبير عن الرأي.


نظرية العولمة الثقافية: تفيد بأن الإعلام يساهم في نقل القيم والأنماط الثقافية، ما يؤدي إلى تشكّل هويات هجينة تجمع بين المحلي والعالمي.


إشكالات الهوية الرقمية

رغم ما تمنحه الهوية الرقمية من فرص، فإنها تطرح تحديات عدة:

الاغتراب عن الذات: حين يبتعد الفرد عن هويته الحقيقية لصالح صورة مصطنعة.

ضغوط المعايير الاجتماعية الافتراضية: مثل المثالية في المظهر أو النجاح المستمر.

إشكالية الخصوصية: إذ تصبح الهوية معرضة للاختراق أو التشويه.


دراسات ميدانية

أشارت دراسات حديثة في علم الاجتماع الرقمي إلى أن أكثر من 70% من الشباب يقرّون بأن وسائل التواصل أثرت في طريقة تعريفهم لذواتهم، سواء بشكل إيجابي (تعزيز الثقة بالنفس، توسيع دوائر العلاقات) أو سلبي (المقارنة المفرطة، القلق الاجتماعي).





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق