من الناحية اللغوية كلمة " أبستمولوجيا " متكونة من كلمتين يونانيتين " أبستمي " ومعناها علم والثانية لوغوس وهي بمعنى علم أيضاً فهي أذن معناها اللغوي " علم العلوم " أو " الدراسة النقدية للعلوم " .
ولا يختلف المعنى الاصطلاحي كثيراً عن المعنى اللغوي فالابستمولوجيا هي نظرية في المعرفة كانت فيما سبق تختص بالبحث حول أسئلة تقليدية , ماهي حدود المعرفة ؟ هل المعرفة ممكنة أم غير ممكنة ؟ ماهي وسائل المعرفة هل هي الحس أم العقل ؟ أم الحس والعقل معاً ......وغيرها .
وهذه هي الاسئلة التقليدية التي كانت تدور حولها مباحث الابستمولوجيا في مؤلفات الفلسفة التقليدية : ولكن المقصود بالابستمولوجيا هنا معنى خاصاً غير المعنى التقليدي .
نحن نقصد بالابستمولوجيا هنا " نظرية المعرفة العلمية " تمييزاً لها عن نظرية المعرفة التقليدية , فالاولى من أختصاص العلماء ومن إنتاج الفلاسفة المنقطعين للنشاط العلمي . أما الثانية فهي من إنتاج الفيلسوف ذاته كل حسب مذهبه ونسقه الفلسفي .
وبينما تقوم نظرية المعرفة العلمية على الوسائل العلمية الحديثة مثل القياس والاحصاء والتجارب والات العلمية المتطورة نجد أن نظرية المعرفة بمعناها التقليدي تعتمد على وسائل تقليدية وتقوم على فكر ذاتي " في حين تتصف نظرية المعرفة العلمية والابستمولوجيا " بالنزعة الموضوعية ومن هنا جاء تعريف لالاند في معجمه الفلسفي للابستمولوجيا :
"أن الابستمولوجيا هي الدراسة النقدية لمبادىء العلوم وفروضها ونتائجها بغرض تحديد أصلها المنطقي وبيان قيمتها وحصيلتها الموضوعية " وإذا كان الفرنسيون يميزون بين نظرية المعرفة والابستمولوجيا بمعناها الدقيق فأن الالمان أيضاً يميزون بين نظرية المعرفة والابستمولوجيا وأن كانوا يقصدون بالابستمولوجيا فلسفة العلوم جميعها , ومهما كان من أقر هذه الاختلافات التي تنشأ حول تحديد معنى الابستمولوجيا فأننا نعني بها في المقام الاول بيان شروط المعرفة البشرية وقيمتها وحدودها وموضوعيتها من زاوية تطور العلم المعاصر . ()
أن مقولة تحديد معنى الابستمولوجيا يرجع الى أرتباطها بعدة أبحاث معرفية تدور حولها , فالابستمولوجيا ترتبط بنظرية المعرفة كما ترتبط بالمثيودلوجيا وفلسفة العلوم والمنطق , فهي ترتبط بالمنطق من حيث أنها تدرس شروط المعرفة الصحيحة شأنها في ذلك شأن المنطق ولكن إذا كان المنطق يهتم بصورة الفكر أو بصورة المعرفة فإن الابستمولوجيا تهتم بصورة المعرفة ومادتها حقاً .
والابستمولوجيا مرتبطة أيضاً بنظرية المعرفة بمعناها التقليدي من حيث أنها تدرس أمكانية المعرفة , وحدودها وطبيعتها ولكن لامن زاوية الموقف الخاص بل من زاوية التطور العلمي المستمر , وبكلمة واحدة أن الابستمولوجيا هي نظرية علمية في المعرفة تتلون بلون المرحلة التي يجتازها العلم في سياق تطوره ونموه على مر العصور .
والخلاصة أننا إذا أردنا تعريف الابستمولوجيا تعريفاً دقيقاً نقول إنها تلك الابحاث المعرفية , فلسفة العلوم , نظرية المعرفة , مناهج العلوم , منظوراً إليها من زاوية علمية معاصرة أي من خلال المرحلة الراهنة لتطور الفكر العلمي والفلسفي كما أنها علم المعرفة التي تختص ببحث العلاقة بين " الذات والموضوع " (إن الانسان يبني معرفته بهذا العالم من خلال نشاطه العلمي والذهني , والبناء الذي يعتمده الانسان بواسطة هذا النشاط هو ()ما نسميه العلم والمعرفة , أما لفحص عملية البناء نفسها " تتبع مراحلها , نقد أسسها , بيان مدى ترابط أجزائها محاولة البحث عن ثوابت صياغتها صياغة تعميمية , محاولة استباق نتائجها " فذلك مايشكل موضوع الابستمولوجيا ) ()
وحول إشكالية صياغة نظرية المعرفة عند الفلاسفة وصعوبة دراستها تعلل " الموسوعة الفلسفية المختصرة " تلك الصعوبة بالقول :
"إن المشكلة المركزية في نظرية المعرفة الحديثة هي التوفيق بين الطبيعة الذاتية للفكر وبين دعوانا أننا نعرف ما هو خارج أفكارنا وتلك لم تكن مشكلة بالنسبة لأرسطو إذ أعتبر أن العقل أنما يكشف نظاماً كان من قبل موجوداً في الواقع حتى جاء كانت فقلب الوضع الأرسطي وزعم أن النظام في معرفتنا يأتي من العقل وحده , وتقبل بيرس المشكلة الحديثة وقدم له حله الخاص , بدأ بيرس بالقول بأننا على وعي بكوننا نتصل في خبرتنا بالواقع مباشرة ويتكون الواقع من الأشياء الكائنة سواء فكرنا فيها أو لم نفكر , أضف إلى ذلك أننا إذا أردنا اجتناب المفاجآت غير السارة فإنه يجب علينا أن نسعى لأن نكيف سلوكنا مع هذه الاشياء, والى هنا يتفق بيرس مع أرسطو .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق