هناك اختلاف كبير بين العلماء في تحديد معنى الجماعة، و هناك من يطلق لفظ الجماعة على شخصين أو أكثر على أساس القرب المكاني بين الأفراد، بينما يرى البعض أن تعريف الجماعة يقتضي الانتماء إلى هيئة أو منظمة رسمية كالموظف في هيئة أو مصلحة و أفراد الديانة الواحدة.
و تطلق الجماعة على أفراد لا يشترط أن يكونوا متقاربين في المكان و لا يشترط أن يعرف بعضهم بعضا. كالأفراد الذين يدفعون الضريبة مثلا، غير أن مثل هذه التعاريف لا تؤدي الغرض الذي تهدف إليه فليس الجماعة مجرد عدد من الأفراد وجدوا في مكان بسبب عارض كاجتماع المارة في الطريق لرؤيتهم حريقا أو حادث اصطدام أو مشاهدة منافسة رياضية».
«و يرى البعض الآخر أن الجماعة عبارة عن فردين أو أكثر يسلكون تبعا لمعايير مشتركة و لكل منهم دورا في الجماعة يؤديه، مع تداخل هذه الأدوار بعضهم مع بعض و السعي لتحقيق هدف مشترك، و يقوم هذا كله على ما يسمى بعملية التفاعل بين الأعضاء.
و يرى بعض العلماء أنه ليس من الضروري توفر الشروط لوجود الجماعة، ففي رأيهم أنه إذا كان لدينا مثلا اثنان من السابحين لا يعرف أحدهما الآخر و ذهب إلى الاستحمام في البحر كل منهما منفرد و ابتعد كل منهما ميلا عن الشاطئ، فعلى الرغم من عدم وجود أي تفاعل بينهما فإن رؤية أحدهما للآخر تبعث الاطمئنان في كل نفس منهما كما أنه ليس من الضروري أن يكون الهدف مشتركا بينهما، إذ لا يوافق أحدهما الآخر على الدور الذي يقوم به، كما قد تنعدم المعايير المشتركة بينهما و مع ذلك ففي رأي هؤلاء العلماء أن هذين الاثنين يكونان جماعة
إن تركيب الجماعة يشير إلى خصائص أعضاء الجماعة، و تشتل هذه الخصائص على السمات البدنية، و القدرات العقلية و الحركية و الاتجاهات، و الدوافع و سمات الشخصية و الجوانب الاجتماعية مثل العمر و التعليم و الديانة و الوظيفة و المكانة الاجتماعية، و يمكن دراسة تأثيرات تركيب الجماعة من خلال الكمية (كمية الموارد في الجماعة) و درجة التنوع (تنوع قدرات و سمات الجماعة) و استكمال خصائص الأعضاء.
فبالنسبة لكمية الموارد في الجماعة، فتمثل عن طريق متوسط أو مجموع خصائص معينة وثيقة الصلة بالموضوع ستقوم بالأداء بشكل أفضل. و لقد قام 'كوبر و باين' 'Cooper & Payne' (1967) بدراسة تقييمية لشخصية لاعبي و مدربي كرة القدم و مدى توجههم نحو المهمة و الذات و الاندماج عند الممارسة. و قد أشارت النتائج إلى نجاح الفرق لارتباطها بتوجيهات المديرين الفنيين و المدربين.
و في دراسة أخرى لنفس العالمين سنة (1972)، أشارت النتائج إلى أن التوجه العالي نحو المهمة و التوجه المنخفض تجاه الذات و الاندماج للاعبين كانت مرتبطة بصورة ايجابية بنجاح الفرق.
و بالنسبة لدرجة التنوع في قدرات الجماعة، فيقصد بها درجة التباين في سمات و قدرات أعضاء الجماعة و من خلال بعض الدراسات لبعض العلماء تبين أن الجماعات مختلفة الصفات يكون أداؤها أفضل من الجماعات التي تتميز بالانسجام و ذلك لكون الفرد الأقوى تأثيرا ايجابي على الفرد الأضعف عن طريق تحسين تعلمه و دافعيته.
أما استكمال الخصائص بين الأعضاء فهذا يشير إلى وجود علاقة بين استكمال خصائص الجماعة و بين أداء الجماعة، ففي بعض الدراسات، مثلا في رياضة التنس، كان هناك اختلاف في أسلوب لعب فرق الرجال على فرق النساء إذ أنّ كلا من الجنسين كان
يعتمد كثيرا على تقنية معينة و التركيز عليها كثيرا و هذا راجع إلى الفروق في أسلوب لعب كل منهما».
هناك ثلاث أنواع من الجماعة:
الجماعة الأولية:
«الجماعة الأولية هي اللبنة الأساسية في صرح المجتمع، و هي عريقة في القدم تمتد جذورها إلى نشأة الحياة الإنسانية و تعاصر الإنسان الأول و هي أساسية جوهرية في تكوين الفرد لأنها تشبع حاجاته الرئيسية و هي عامة بين أفراد النوع الإنساني كافة في مختلف بقاع الأرض و خلال الأجيال المتعاقبة و من أمثلة الجماعة الأولية 'الأسرة و رفقاء اللعب و الجيران'.
و في تلك الجماعات تبرز شخصية الفرد و تتشكل إلى حد كبير، و غفي نطاقها الضيق يتلقى الفرد مؤثراته الاجتماعية الأولى و يتلقى لأول مرة مؤثرات الثقافة و تتشرب نفسه المعايير الاجتماعية و الخلقية و الاتجاهات النفسية الهامة، و دراسة أثر الجماعة الأولى في السلوك الاجتماعي يؤدي بنا إلى فهم السلوك للفرد في الجماعات الكبيرة المعقدة المتشابكة التي يسلك أفرادها سلوكا يسفر عن ألوان مختلفة متباينة من ثقافات عدة و تتلخص الخصائص المهمة للجماعة الأولية في عدة نقاط نذكر منها:
نوع الاتصال الاجتماعي أي وجها لوجه أو اتصال مباشر للسمع و البصر و الشم و كذلك درجة الاتصال الاجتماعي سواء من ناحية الاتصال كثير التكرار في مراحل الطفولة ثم تقل مرات التكرار في المراحل التالية و أيضا الحدة الانفعالية للاتصال مثلا اتصال يترك في نفوس الأفراد طابعا خاصا و ذكريات تبقى مدى الحياة و كذا مدى الارتباط و مدى الاستقلال كأن تكون هناك أفكار مشتركة و طموح متقاربة و استقلال عاطفي نوعا ما».
الجماعة الوسطى:
«تقوم هذه الجماعة على علاقات تقترب في جوهرها من العلاقات المباشرة الشخصية و تتميز أحيانا باتجاهات متشابهة أو مختلفة نوعا ما، كجماعة أحد الفصول في مدرسة ما، أو كالجماعة التي تتكون من سكان أحد الأحياء في القرية.
و تتلخص أهم الخصائص للجماعة الوسطى في عدة نقاط نذكر منها: نوع الاتصال الاجتماعي و درجة الاتصال الاجتماعي إذ تتشابه الأهداف أحيانا و قد تختلف أحيانا أخرى إلى حد ما و أيضا الحدة الانفعالية للاتصال سواء أكان الاتصال سطحيا و علاقات شكلية أو قريبة من الشكلية و كذلك مدى الارتباط و مدى الاستقلال في رغبات و ميول تكاد تكون مشتركة و أيضا تأكيد الناحية الفردية في السعة لتحقيق نواحي الطموح المختلفة و الاستقلال العاطفي نوعا ما».
و تعتبر الجماعة الوسطى هي الجماعة التي بصدد دراستها و التطرق إلى جميع الجوانب المحيطة بها.
الجماعة الثانوية:
«يتميز تكوين الجماعات الثانوية عن الجماعات الأولية بالقصد و الاختيار و تمثل هذه الجماعات الرغبات و الحاجات العامة للأفراد و لا تعتمد دائما على العلاقات الاجتماعية المباشرة بين الأفراد التي تقوم على مقابلة الأفراد بعضهم مع البعض الآخر و وجها لوجه بين الحين و الآخر بل تعتمد على وسائل الاتصال غير المباشرة كالصحف و الهاتف و غيرها.
و مثال ذلك الهيئات العلمية، فقد ينتسب الفرد إلى جمعية علمية و يصبح عضوا فيها دون أن يقابل جميع أعضائها، و قس على ذلك الأحزاب السياسية و النقابات المهنية، و بالرغم من أن هذه الجماعات تمثل رغبات عامة إلا أنها تتطلب من أفراد الجماعة تنظيما و تنسيقا يفوق ما تتطلبه الجماعات الأولية و تواجه الحضارة الراهنة طغيان الجماعات الثانوية على الجماعات الأولية. لكن ليس معنى هذا زوال أثر الجماعة الأولية من حياة الفرد الاجتماعية فكل ما يكتسبه الفرد من عادات و اتجاهات في جماعته الأولية ينتقل إلى نواحي نشاطه المختلفة في الجماعات الثانوية.
و تتلخص أهم خصائص الجماعة الثانوية في نوع الاتصال الاجتماعي، فغالبا ما يكون الاتصال غير شخصي و غير مباشر و قوام هذا النوع من الجماعات الاتصال الآلي الميكانيكي. و من أمثلة الصحف و الدوريات العلمية و الهاتف و الراديو، و كذلك نعدد الحدة الانفعالية للاتصال و درجة تكرار الاتصال الاجتماعي بالنسبة للزمان و المكان و مدى الارتباط و مدى الاستقلال كأن تكون هناك آراء لفظية مشتركة أو تحفظ تام بالنسبة للأهداف و ضروب الطموح المختلفة و الاستقلال العاطفي إلا في الأزمات التي تمس جميع أفراد الجماعة»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق