26‏/6‏/2016

دراسة تحليلية سوسيولوجية لوضعية المرأة داخل مجتمعات شمال افريقيا


إن دراسة وضعية المرأة المغربية وخصوصا بالبادية ينبغي أن يخضع للتصورات المنطقية لا للتحديدات الميثولوجية المبنية على تصورات عاطفية، هناك حضور الإشكالات البنيوية بثقافتنا والتي تجعل من المرأة نفسها هي المدافع الرسمي عن وضعيتها المتخلفة..
إذن ما هي حدود تفكيك هذه الرؤية في غياب فضاء نسبي لاستعمال آليات التحليل الاجتماعي؟. 
إن الغيابات كثيرة بالبنية التقليدية للوسط المغربي، غياب وعي تام بآفاق الطرح الإشكالي، حضور الأمية المتفشية بشكل واضح بمجتمعنا وخاصة التي تتعلق تتعلق بالمرأة التقليدية بالوسط القروي.
غياب بنيات تحتية لتشجيع تمدرس الفتاة بالوسط القروي، على سبيل المثال لا الحصر تواجد الداخليات التي يرجوها الأب الذي يمثل الذكر العربي سلوكا وعقلية لتكون "الداخليات" الأدرع الممتدة للأسرة خارج البيت، من حيث أن الأب لا يودع لدى المؤسسة الداخلية فتاته ككائن بل يضع بكارة وشرفا، تقول سيمون دي بوفوار في هذا الإطار:"اكتسبت البكارة قيمة أخلاقية دينية غيبية" ().
أما الانغلاقات فكثيرة حضورها القوي يتجلى في التصورات الشعبية التي يضفيها مجتمعنا على المرأة من حيث حضور المثل الشعبي بكل قوته " للمرأة خرجتان واحدة لبيت زوجها والثانية للقبر، فالحجاب وأد مواز لعملية الدفن يتم تجريدها من عناصرها الموضوعية همت تاريخيا تحديد مواقع شبقية من تاريخ الذكورة العربي.
فنجد بمجتمعنا حضور المصطلح الذي يشكل حضور وعي مثل "باب الدار " " قاع البيت" "اللثام" وهي كلها فضاءات تغلق على جسد المرأة كجسد أنثوي لا يفتح إلا للزوج الذي يستمتع بهذا الفتح جنسيا والمَحرَم الذي يكون صلة وصل بين الخارج كثقافة للمرأة تنهل منها وهي غالبا ثقافة الرجل الذي يرى الوقائع بأُحادية المنظار، حيث يشكل" اللثام" وسيلة غلق أخرى داخل الفضاءات المفتوحة.
إن بعض التعبيرات التي يغلب فيها تجسيد المجال مثل" صدر البيت"،" فم الدار"، و الأعضاء الجسدية المسقطة على المجال الحضري العربي الإسلامي أعضاء مُجنَّسة أو قابلة للتَّجَنْسُن، فبالفعل هناك انتظام سيميائي بين الرأس والفم والصدر وهذا الانتظام هو من المذكر نحو المؤنث.
"راس الدرب" هو مكان المراقبة لمن يدخل الدرب والمراقب هو الذكر ،هو انتظام سيميولوجي مجالي من الخارج نحو الداخل يمر عبر الفم كحد فاصل بين فضاءين، فالفم : نقطة تبادل لسني (الكلام)،تبادل بيولوجي(المضغ) وتبادل جنسي (قُبلة) ، إن" فم الدار" هو المعبر إلى عالم المرأة، مكان عبور في اتجاهين (دار /شارع)"افتح الباب وادخل إلى الشارع" وقد قال العالم النفساني كارل ابرهام "الإنسان لا يكتفي بإحياء الأشياء بل يجَنّسُها" وقد نستخلص من هذه النسقية الجنسانية طرح السؤال على المجال ،أليس للدار فرج كما للمرأة؟ 
إن المصطلح السيميائي "قاع الدار " يأخذ من جسم المرأة مكان الإثارة الجنسية كما يفيض المصطلح "قاع" على حدود تركيبية اللغة العربية من خلال قوة اللهجة المرتبطة بلذة النص ومتعة الاكتشاف.
إن فضاء اللغة الجنسية فضاء عائلي يستعمل فيه المذكر إسقاط الجسد على المجال ليصبح المجال بدوره حرمة وجب تحصينه كي لا يمس، فالمنطق الباتريركي هذا استعمل الحجاب لتحصين الملكية العائلية كما استعمل زواج الأقارب (ابن العم) في السابق كتحصين متناغم مع دلالة انغلاقه.
هذه مواضيع للبحث لازالت حاضرة إن على مستوى المدينة بالأحياء القديمة كما على مستوى البادية .
فجل الأمثال الشعبية تعيد إنتاج علاقة الرجل بالمرأة خاصة ما يتحدد من توجيه وتلقين التجربة الباتريركية للجيل اللاحق، هذه القوة حاضرة بالمثل، "ظل راجل ولا ظل حيطة".
فالمثل الشعبي قد رسم تقاسيم صورة المرأة ضمن ثنائيات ضدية يتمازج ضمنها السلب والإيجاب كتعبير عن مزاجية العواطف التي تحكم المثل الشعبي من حيث القبول بالمرأة كجسد للاشتهاء وبالتالي فهي "خير"، حيث جاء في المثال التالي:"المرأة عمارة ولو كانت حمارة ".
أما تحديد مكانتها كسلب فهو دلالة على مدى انتهاء الرجل من جسد الأنثى بالإشباع الجنسي وبالتالي النبذ النفسي لكينونتها الإنسانية كما جاء في المثل الشعبي التالي: "مسمار في الحيط ولا امرأة في البيت" وقد ذكر الأستاذ علي أفرفار الأسباب النفسية والاجتماعية التي شكلت الوعي برفض المرأة والرغبة في التخلص منها حيث قال "لاشك أن أساس هذه الرغبة يكمن في العلاقة التي أقامتها الثقافة الشعبية بين كرامة الرجل والبكارة، حيث تمثل المرأة موضوعا مخيفا يتوجب على الرجل التخلص منه بسرعة إذا هو رغب في صيانة مركزه ومكانته الاجتماعية").
أما الثنائية ( إنجاب / لا إنجاب) فيمكن تصنيفها ضمن الثنائيات التناقضية حيث نجد أن العقم يمكن أن يكون الرجل سببا في حصوله وهو خاصية مشتركة بين الجنسين، كما أن الإنجاب الذي يأتي بالأنثى فهو داخل المخيال العربي بمثابة (لا إنجاب) أي عقم على مستوى انتفاء استمرارية وجود حامل لاسم الأسرة من الذكور.
أما الثنائية ( بكر/ ثيب) فيمكن التطرق إليها من خلال الثنائية التناقضية التالية(بكر/ لا بكر)،( ثيب /لا ثيب) وقد تشترك كل من الزوجة والأرملة والمطلقة في انتفاء البكارة عنهن تصبح فيه البكارة رمزا لقيم العفة والطهارة وعدم حصول الجسد الأنثوي على تجربة جنسية تجعل ميدان الفحولة قابلا للصولة في تضاريس الكشكول السيكولوجي للحضارة الذكورية.
فالتراتبية الاجتماعية تجعل البكر في الهرم القيمي تليها المتزوجة والأرملة والمطلقة التي يعتبر رفضها من طرف (ذكر ما ) عافها "هجالة" ينعكس تشردُم وضعيتها على قيمة منتوجها "الحضائني" كما جاء في المثل الشعبي الذي يقول "الهجالة ربات عجل ما فلح ، ربات كلب ما نبح"، هذه الوضعية السُبة لن تفارق(الثيب- مطلقة)إلا بانتقالها إلى عصمة رجل .
هكذا نجد أن مصطلح"ثيب" لا يحقق الثنائية التي وضعها الباحث من ضمن مؤشرات اختيار المرأة المناسبة، كما لم تتحقق كينونة المرأة إلا من خلال المذكر الذي عبرت عنه الوثائق الأولى للنص العدلي الذي كان يعقد "عقد النكاح" بصيغة المذكر هكذا "لقد نكح فلان فلانا"كناية عن قيمة التنشئة التي تربت عليها الفتاة من حيث المرجع:المحمول الذكوري الذي تشبعت به في تربيتها يقول المثل "بنت الرجال ولو بارت"، وقد حدد هشام شرابي انطلاق هذا المعطى لدى الوعي العربي بحضور قوة القالب الحضاري للمجتمع يقول "وهدف كل مجتمع تجاه كل طفل أن يصهره نفسيا وذهنيا ليطابق القالب الحضاري لذلك المجتمع"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق