تخضع جميع قراراتنا ورغباتنا لأسباب تُحركنا دون أن ندركَ في كثر من الأوقات ، بينما نُلْقي علىٰ أنفسنا تبعية هذه القرارات لظننا أننا احرار ، وهذا هو الوهم بعينه . كما يعتقد ( سبينوزا ) الذي انتقد جذرياً فكرة ( الاختيار الحر ) . فالاعتقاد أن الأنسان من يقرر أفعاله " يعطي هذا المخلوق قيمة استثنأية غير مفهومة "
في الواقع كل ما في الطبيعة هو نتيجة لسبب ما ، ونحن لا نستطيع تخيل ظاهرة طبيعية دون هذا السبب ، فكل ما يأتي في عالم الطبيعة هو في الحقيقة الأمر المحدد لغاية ما . وما أن تستكمل الأسباب عناصر وجودها حتى تنتج عنها نتائج معروفة تماماً ، كأن نقول مثلا :
( إذا وصلت الحرارة إلى درجة معينة فإن الماء سوف يتبخر ) هكذا يظل مفهوم ( سبينوزا ) حول الإنسان صحيحاً . إذ يقول في كتابهِ ( علم الاخلاق ) : " الإنسان ليس قوة داخل قوة " . إنهُ لا يضع قوانين مختلفة عن تلك التي تتحكم بمجموع العالم الطبيعي . ويضيف في نفس المصدر :
( الإنسان جزء من طبيعة ) إذا كان هناك شيء في الطبيعة بلا سبب ، فلا شيء مجرد عن غايته إذن لدى الانسان . إن قراراتنا، ورغبتنا ،وطموحاتنتا جميعاً تخضع هي الأخرى لغاية معينة ، وإرادتنا ليست اكثر حريَّة من أي ظاهرة في الطبيعة . كذلك سلوكنا فإنّه ناتج بالضرورة عما يؤثر فينا .
فإذا سلمنا بهذه النقاط المختلفة يجب علينا شرح الوهم الذي يجعلنا نعتقد بإختيارنا الحر، ما العمل في حالة أنّنا لسنا أحراراً كما نعتقد ؟؟؟؟؟
كتب ( سبينوزا ) في رسالة( 58 ) : " أقول إن البشر واعـون لميـولهم وأهـوائهم ولكـنهم يجهلون الأسباب الكامـنة وراءهاه !!!
نحن نعرف أننا نرغب لكننا نجهل ما الذي يجعلنا نرغب، بمعنا اخر نحن نشعر بأهمية رغبة ما ، ولكننا لا نعرف مصدرها )، وما اعتقادنا أنّنا نرغب ( هكذا بلا سبب ) سوى مجرد وهم .
في مراسلاته قام ( سبينوزا ) بإيراد مثال مدهش يقول انه لو فكرنا بحجارة القاها أحدهم سنجد ، أن حركة هذه الحجارة هو دافع ما في ذهن من قذف بها ، وأن المسافة التى تقطعها حجارة محددة سلفا بقوة هدا الدافع . نستطيع بسهولة اجراء عملية حسابية هذه العملية
لا شيء أقل حرية من هذه الحجارة في انطلاقها لا المنحني التي ترسمه ، ولا النقطة التي سوف تسقط عليها
- تصوروا الأن ، يقول (سبينوزا ) : أن هذه الحجارة تفكر مثلنا ، أو أنها تمتلك وعياً لهذه الحركة سوف تعتقد أنها حرة تماماً !!! سوف تعتقد أنها تتحرك بإرادتها ، غير مدركة الأسباب . الدوافع وراء هذه الحركة ! .
يساعد هذا المثال على توضيح ميكانيكية وهم الحرية , فالطفل , كما يشر ( سبينوزا ) يعتقد أنه يرغب بالحليب بحريته ، بينما في الحقيقة شهيته كاملة محدد بنظامه الغذائي . هو أيضاً واعٍ برغبته . ولكنهُ يجهل الأسباب التي تدفع بهذه الرغبة الى الظهور ، أنّنا نقع في الوهم نفسه كل مرة نعتقد فيها أن تصرفنا نتيجة قرارات تتخذه أرواحنا نحن بالذات ) !
هذا الوهم ليس سوى نتيجة لجهلنا الأسباب التي تحركنا في هذا الاتجاه او ذاك !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق