21‏/11‏/2014

الاسرة.. في زمن العولمة -- الجزء الثاني --

تعد الاسرة أهم الثيمات الاكثر مناقشة من طرف علم الاجتماع المعاصر، نظرا لما تعرف من تحولات في الشكل والجوهر.، ولما لها من تأثير على تفسير التغيير الاجتماعي وحتى الاقتصادي و التوجهات السياسية، والاثر الثقافي في المجتمع.. في موضوعنا هذا " الاسرة في زمن العولمة"، وبإرتباط مع الموضوع؛ في هذا المقال سنتعرف على التنشئة الاجتماعية، وكيف خلخت العولمة بنية التنشئة التقليدية.




2- التنشئة الاجتماعية

لقد أدت التحولات الاجتماعية في ظل العولمة الى  تغييرات بنيوية في مكانة ووظائف الاب والام، وفي علاقات السلطة بينهما من جهة، ومع الابناء من جهة ثانية. فالضغزط الاقتصادية والمهنية والسعي وراء النجاح سؤاء كان ماديا أو إجتماعيا، يؤديان الى حالات التغيب المتكرر للاب عن الاسرة والحياة الزوجية. هذه الوضعية لم تعد مقتصرة على الرجل بل طالت كثيرا من النساء العاملات، وهو ما ادى الى فتور الروابط والعلاقات الاسرية وصولا الى الفراق والطلاق.كما تراجع دور ومسؤولية الوالدين في عملية التنشئة لمصلحة جهات ومؤسسات أخرى تترواح بين دور الحضانة والمدرسة وحتى الشارع الى الخدم والمربيات (خاصة في بلدان الخليج) ، مرورا بوسائل الإعلام وما نتج عن ذلك من آثار ومصاحبات سلبية على جميع الاصعدة، الفردية والاسرية والمجتمعية.
تتخذ تأثيرات العولمة في مجال التنشئة الاجتماعية صيغا عديدة منها حدوث تحول في اهداف وظيفة الضبط التي تقوم بها الاسرة، بحيث تتحول الاسرة من تحقيق الحفاظ على نفسها وتماسكها ككيان مستقل نسبيا، وبالتالي دورها كفاعل أساسي في إعادة انتاج النظام الابوي بكل مواصفاته. نحو تحقيق هدف جديد هو الحفاظ على البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ال\ي انجزته جزئيا سيادة العولمة. ويتجلى في تحول  هدف عمليات التنشئة من الحفاظ على قيم جماعية تقليدية مثل التضامن والتضحية ... الى الحفاظ على قيم المؤسسات الحديثة والبديلة للتنشئة الاجتماعية، زفي مقدمتها منظزمة التعليم والاتصال وعالم الشغل في ظل سيادة السوق المعومة. وهي قيم متعارضة في مجملها مع القيم السائدة في التربية التقليدية. فاما دواعي هذا التحول في أهداف عملية التنشئة فيكمن في عدة أسباب: 
1- سبب داخلي في الاسرة ذاتها يتمثل في حقيقة قيم الانتماء الجماعي والتضامن والشرف العائلي، التي تتمركز حولها التنشئة الاجتماعية التقليدية تعمل حسب إوالية تتسم بالتفاوت والهرمية(حسب عاملي الجنس والعمر)،وهي ب\لك ليست غريبة عن إواليات التفاوت والتراتب داخل الاسرة ولا معارضة لها، بل على العكس تعتبر من أهم عوامل انتاجها والحفاظ عليها. لذلك فإننا والحالة تلك، لا تبدوا متعارضة مع القيم التي تنشرها منظومة التعليم مثلا، وهي قيم تستجيب لمتطلبات اللامساواة الاجتماعية والمراتبية التي تجسدها السوق المعولمة، ولا تدخل في صراع معها.
2- سبب خارجي يتعلق بإستجابة كل من الاسرة ومنظومة التعليم كمؤسسات توجد في مجال السوق ومتطلبات هذه  الاخيرة، فالمدرسة مثلا يرتبط بقاؤها بمدى تكييفها مع تلبية احتياجات السوق واليد العاملة بمستويات متنوعة من المهارة والتاهيل وقواعد السلوك، وبالتالي فإنها  تعمد منذ البداية الى وضع قيم مثل الفردانية والمنافسة والتمييز والكفاءة والفعالية ضمن اساسيات برامجها. اما الاسرة فتجد نفسها مضطرة الى التكيف مع تلك القيم في إطار السوق والعمل على ترسيخها ضمن عمليات التنشئة الاجتماعية.
لكن ينبغي التاكيد ان التغيرات والتأثيرات الممارسة من قبل النماذج الجديدة تتفاوت حسب تدخل متغييرات عديدة ومتنوعة منها الوسط الاجتماعي، المستوى الاقتصادي والتعليمي، وطبيعة التوجهات الفكرية والعقدية ومنظومة القيم السائدة عموما. وبالتالي فالامر يتراوح بين حالات يتم فيها استبطان وتبني تلك النماذج فعلا،كممارسة في الحياة الاجتماعية، وحالات تبقى فيها مجرد تمثلات ونماذج مستبطنة على مستوى المخييلة الفردية او الجماعية، ذات تأثير في العلاقات، سواءا بين الازواج اوبين الوالدين والابناء على مستوى التصور والمحمول الرمزي واللغوي الممارس من قبل الافراد اكثر من كونها انماط بنيوية ناضجة لو مكتملة التكوين.


 مقالات تتمة للموضوع

الأسرة .. في زمن العولمة - الجزء الاول -



 الأسرة .. وتطور أشكال الجنسانية



 الأسرة .. والاشكال البديلة للزواج الشرعي 




المقالات هذه مقتطفة من مجلة الفكر.. كتبها استاذ علم الاجتماع العياشي عنصر- جامعة قطر





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق