15‏/6‏/2014

المهدي المنجرة : الجانب المهمش في استراتيجيات التنمية

الثقافة والتنمية

منحني شرف تسير قطاع  العلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافية، وكذلك مصلحة الاستشراف في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة التي قضيت فيها حوالي 20 سنة، مكنني من الوقوف على أهمية الإشكالية الثقافية في تنفيذ البرامج الدولية وإنزالها إلى ارض الواقع.
تبقى الثقافة وأنظمة القيم الجانب المهمش في استراتيجيات التنمية، وهذا ما ظللت أندد به على مدى قرابة نصف قرن. وبصعوبة، تمكنت في عام 1958 من جعل الجميع يسلم بأهمية القطا الاجتماعي ينف قد التسليم بأهمية نظيره الاقتصادي أثناء ولاية اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابع للأمم المتحدة اجل إفريقيا، وهو ما يعد تجديدا مميزا لهذه اللجنة عن باقي اللجن الجهوية.
تفاعلات السياسي والسوسيواقتصادي غير معترف به اليوم بالقدر الكافي، لأننا لا نعي الدور الأساسي الذي تلعبه أنظمة القيم في ضمان التعددية الثقافية التي تتوقف عليها استمرارية المجتمعات. مفهوم التعددية الثقافية  ليس جديدا،خاصة فيما يتعلق باليونيسكو التي يعد هذا المفهوم إحدى دوافع تأسيسها. أما الجديد، فهو وقوفنا يوما بعد آخر على الدور الحاسم الذي أضحت تلعبه الأبعاد الثقافية في العلاقات الدولية، وبالأخص دور القيم السوسيوثقافية في مسلسلات التنمية كيفما كانت طبيعتها.

  التعددية الثقافية والكونية

يبن التاريخ الحديث كيف يحاول الغرب فرض نظام القيم الخاص به على مجموع الإنسانية في الوقت الذي يقف فيه  آخرون مدافعين عن أصالة أنظمة قيمهم. ويجب ألا يحصر هذا النقاش في مجرد صراع أنظمة القيم كلها. لكن يجب أن نطرح، جانبا، نمط التفكير الذي تمر وفقه الحداثة بالضرورة عبر تغريب يؤشر على أن التقدم العلمي كونية العلم التي تغني بهما الغرب وبمجدهما لا جدال فهما. وقد كتب فرناند بروديل في كتابه" البحر الأبيض المتوسط" أن: " الحضارة، بالنسبة إلى حضارة ما، هي القدرة على لإعطاء والاستقبال والاستعارة... لكن الحضارات الكبرى تعرف انطلاقا من رفضها الاستعارة من غيرها، أو حساسيتها إزاء بعض التوجهات أو لجوئها إلى فعل انتقائي لما يقترح عليها أو يفرض عليها في أوقات كثيرة إذا لم تلتزم بالحذر أو ، بكل بساطة، في حال وجود تعارض بين المزاج والدوق".
وقد صرح امانويل فاليريستاين، وهو باحث في جامعة يال في الولايات المتحدة الأمريكية،  صرح لجريدة فرنسة وهي " لومند"  بأن : " العالمية الأوروبية هي الأخيرة وتحتفظ بالنظام الأخلاقي الموجود. فالاروبيون أو الغربيون، إن شئتم القول، مقتنعون بأنهم وحدهم المتمتعون بالشرعية، وبالنسبة إلي، ليس الأمر سوى مجاز سلطة يوظف لمنح الشرعية لمختلف الأنماط الإمبريالية. فالنزعة العرقية الغربية تشكل عائقا كبيرا في العلاقات الدولية، مما يجعلها تمس الهدف الأساسي للنظام الدولي المتمثل في الحفاظ على  السلم، واحترام الكرامة الإنسانية مع إعطاء الأولوية للحد من اللامساواة. ومن هنا، تتضح ضرورة الإقرار بنسبة مفهوم العالمية الذي كشف عن حدودهن بالأخص في مجال العلوم والتكنولوجيا.
وقال روني ماهو وهو مدير سابق لليونسكو: " التنمية هي أن يصبح العلم ثقافة". بينما اعترض بريغوجين،  الحائز على جائزة نوبل في نوبل في الكيمياء، على مفهومي حياد وعالمية العلوم في كتابه الشهير " الحلف الجديد " الذي يقول فيه : " نعتقد أن هناك حصانة سياسية جديدة يجب أن يعود إليها العلم ، وهي الحصانة السياسية الثقافية. ومن المستعجل أن يصبح العلم، جزءا مندمجا في الثقافة ويتطور في حماها ..  نعتقد أن العلم ينفتح على الكوني إذا كف عن الإنكار والتصرف كغريب عندما يتعلق الأمر بانشغالات وتساؤلات المجتمعات التي يتطور داخلها وحينما سيكون قادرا على التحاور مع الطبيعة والناس من كل الثقافات التي ستعرف منذ تلك اللحظة كيف تحترم الأسئلة المطروحة".
كما أن مواجهة المشاكل البيئية أصبحت اليوم أساسية من أجل استمرارية الإنسانية المرتهنة أكثر من أي وقت مضى بالمحيط نفسه، فالمصير المتعدد للمجتمعات الإنسانية وكذلك المتضامنة ليس في نهاية المطاف إلا مصيرا واحدا. وفي الوقت الذي صار فيه الأمن الدولي مرتبطا بشكل مباشر بالحفاظ على  البيئة، أمسى السير على خطى النموذج الغربي أو أي نموذج آخر للاستغلال ألحصري معجلا بالخطر الذي يهدد الإنسانية الفاقدة لتنوعها.
أسطورة نقل التكنولوجيا
فرضية من هذا القبل تلزمنا بفهم الروابط القائمة بين العلم والتكنولوجيا من جهة، وأنظمة القيم من جهة ثانية. لمن لا يعلم ذلك،ينحصر نقل التكنولوجيا بكل بساطة، في شراء أدوات وآلات، وسيبقى أسطورة طالما لم نستطع أن نفك ونعيد تركيب آليات تكنولوجيا معينة بعد أن نضيف إليها قيمة أخرى، وهذه القيمة المضافة هي التي تبلور التعددية الثقافية. والولوج إلى  التكنولوجيا يستلزم حدا أدنى من المساهمة على مستويي البحث والابتكار. الجميع يعترف اليوم بفشل الأغلبية الساحقة من نماذج التنمية المتبعة في دول العالم الثالث مع تقليد أعمى للغرب أدى إلى استفحال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدد من بلدان الجنوب. وقد دفع هذه الدول السائرة على طريق النمو الى البحث عن نماذج أخرى قادرة على الملائمة بين انساق القيم السائدة فيها وخطط التنمية التي تنهجها.


بدأ الشك يكبر وتقوى حول مدى نجاعة إعادة  النمط  الغربي الذي يتمثل  عيبه الأكبر، مثلما إلى ذلك الغربيون كثرا، في عالمية جميع قيمه: الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والإنصاف والعقلانية والمنهجية العلمية والتكنولوجيا والجمالية، نماذج أخرى شرعية مرغوب فيها من أجل تشجيع اكبر لتعددية القيم حتى يصير بالإمكان إدعاء التحلي بصفة العالمية.


اقترح عليكايضا قراءة 
 المهدي المنجرة : الحرب على العراق دفاع عن نسق القيم
 المهدي المنجرة : اهمية التواصل الثقافي
 النخب السياسية كموضوع سوسيولوجي - الجزء الاول -



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق